فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذكروا أن صفية جاءت لتنظر إلى أخيها حمزة فقال صلى الله عليه وسلم للزبير «ردّها لئلا تجزع من مثلة أخيها». فقالت: قد بلغني ما فعل به وذلك يسير في جنب طاعة الله تعالى. فقال للزبير: «فدعها تنظر إليه»، فقالت خيرًا واستغفرت له. وجاءت امرأة أخرى قد قتل زوجها وأبوها وأخوها وابنها، فلما رأت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حي قالت: إن كل مصيبة بعدك هدر. وأما الثانية فروى ابن عباس أن أبا سفيان لما عزم أن ينصرف من المدينة إلى مكة نادى: يا محمد موعدنا موسم بدر الصغر القابل فنقتتل بها إن شئت. فقال صلى الله عليه وسلم لعمر: قل بيننا وبينك ذاك إن شاء الله. فلما حضر الأجل خرج أبو سفيان مع قومه حتى نزل مرّ الظهران، فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرًا فقال: يا نعيم إني واعدت محمدًا أن نلتقي بموسم بدر، وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وقد بدا لي أن أرجع. ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جرأة فألحق بالمدينة وثبطهم ولك عندي عشر من الإبل. فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم: ما هذا بالرأي أتوكم في دياركم وقراركم فقتلوا أكثركم، فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد، فوقع هذا الكلام في قلوب قوم منهم. فقال صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيدهه لأخرجنّ إليهم وحدي» فخرج في سبعين راكبًا وهم يقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل، إلى أن وصلوا إلى بدر الصغرى وهي ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام. فلم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحدًا من المشركين. وكانت معهم تجارت ونفقات فوافوا السوق وباعوا ما معهم واشتروا بها أدمًا وزبيبًا وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين. ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق وقالوا: إنما خرجتم لتشربوا السويق وأنزل الله في المؤمنين {الذي قال لهم الناس} يعني نعيم بن مسعود كما ذكرناه. وإنما عبر عن الإنسان الواحد بالناس لأنه من جنس الناس كما يقال: فلان يركب الخيل وما له إلا فرس واحد. ولأن الواحد إذا قال قولًا وله أتباع يقولون مثل قوله ويرضون به، حسن إضافة ذلك الفعل إلى الكل كقوله تعالى: {وإذا قتلتم نفسًا} [البقرة: 72] وحين قال نعيم ذلك القول لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامّونه ويصلون جناح كلامه، وقال ابن عباس ومحمد بن إسحق: مر ركب من عبد القيس بأبي سفيان فدسهم إلى المسلمين ليخوفوهم وضمن لهم عليه جعلًا- حمل بعير من زبيب-.
وقال السدي: هم منافقو المدينة كانوا يثبطون المسلمين عند الخروج ويقولون: إن الناس قد جمعوا لكم يعني أبا سفيان وأصحابه. والمفعول محذوف أي جمعوا لكم الجموع. والعرب تسمي الجيش جمعًا. {فاخشوهم فزادهم} قول نعيم أو قول المثبطين {إيمانًا} لأنهم لم يسمعوا قولهم وأخلصوا عنده النية والعزم على الجهاد، وأظهروا حمية الإسلام فكان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى بحسب زيادتها ونقصانها. وأما من قال: الإيمان عبارة عن نفس التصديق فتأويله أن الزيادة وقعت في ثمرات الإيمان، ولكنها جعلت في افيمان مجازًا. وقد مر تحقيق الكلام لنا في هذا المعنى في أوائل الكتاب. وكما أنهم أضمروا ذلك بحسب الاعتقاد وافقوا الخليل عليه السلام حين ألقي في النار فأظهروه باللسان وقالوا: حسبنا الله. وقد مر إعراب مثله في البقرة في قوله: {فحسبه جهنم} [البقرة: 206] {ونعم الوكيل} الكافي أو الكافل أو الموكول إليه هو. ثم عملوا بما اعتقدوه وقالوا فخرجوا {فانقلبوا بنعمة من الله} وهي العافية {وفضل} وهو الربح بالتجارة، أو النعمة منافع الدنيا والفضل ثواب الآخرة {لم يمسسهم سوء} لم يصبهم قتل ولا جراح وصفهم بأنه حصل لهم الملائم ولم يحصل لهم المنافي وهذه غاية المطلب ونهاية الأماني، وإن ذلك ثمرة الإخلاص والتوكل على الله سبحانه وتعالى. ثم روي أنهم قالوا: هل يكون هذا غزوًا؟ فقال تعالى: {واتبعوا رضوان الله} ليعلموا أن لهم ثواب المجاهدين حيث قضوا ما عليهم. ثم قال: {والله ذو فضل عظيم} تنبيهًا على أن السبب الكلي في ثواب المطيعين هو فضل ربهم ورحمته عليهم ولم ينج أحدًا عمله إلا أن يتغمده الله برحمته، فعلى المؤمن أن لا يثق إلا بالله ولا يخاف أحدًا إلا إياه وذلك قوله: {إنما ذلكم} المثبط هو {الشيطان} لعتوّه وتمرده وإعوائه، ثم بين شيطنته بقوله: {يخوّف أولياءه} أو الشيطان صفة اسم الإشارة، وهذه الجملة خبر والمفعول الأوّل محذوف أي يخوّفكم أولياءه {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} فإن الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله على خوف الناس الذين هم أولياء المثبطين. والأولياء هم أبو سفيان وأصحابه. وقيل: الشيطان هو إبليس. وقيل: المضاف محذوف والتقدير إنما ذلكم قول الشيطان. وقيل: يخوّف ألوياءه القاعدين عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فالضمير في {فلا تخافوهم} للناس في قوله: {إن الناس قد جمعوا لكم} وقيل: التقدير يخوّفكم بأوليائه كقوله: {ويخوّفونك بالذين من دونه} [الزمر: 36] فحذف حرف الجر قاله الفراء والزجاج وأبو علي، وزيفه ابن الأنباري بأن التخويف قد يتعدى بنفسه إلى مفعولين فلا ضرورة إلى إضمار حرف الجر. الله حسبي. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{إنما} حرف مكفوف بما عن العمل وقد تقدم الكلام فيها أول الكتاب. وفي إعراب هذه الجملة خمسةُ أوجهٍ:
الأول: أن يكون {ذلكم} مبتدأ، و{الشيطان} خبره، و{يخوف أولياءه} حال؛ بدليل وقوع الحالِ الصريحةِ في مثل هذا التركيب، نحو قوله: {وهذا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] وقوله: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} [النمل: 52].
الثاني: أن يكون {الشيطان} بدلًا، أو عطف بيان، و{يخوف} الخبر، ذكره أبو البقاء.
الثالث: أن يكون {الشيطان} نعتًا لاسم الإشارة، و{يخوف} على أن يرادَ بـ {الشيطان} نعيم، أو أبو سفيان- ذكره الزمخشري قال أبو حيّان: وإنما قال: والمراد بـ {الشيطان} نعيم، أو أبو سفيان؛ لأنه لا يكون نعتًا- والمراد به إبليس- لأنه إذ ذاك- يكون علمًا بالغلبة، إذ أصله صفة- كالعيُّوق- ثم غلب على إبليس كما غلب العيُّوق على النَّجْمِ الَّذِي ينطلق عليه. وفيه نظرٌ.
الرابع: أن يكون {ذلكم} مبتدأ، و{الشيطان} خبر، و{يخوف} جملةٌ مستأنفةٌ، بيان لشيطنته، والمراد بالشَّيْطانِ هو المثبط للمؤمنين.
الخامس: أن يكون {ذلكم} مبتدأ، و{الشيطان} مبتدأ ثانٍ، و{يخوف} خبر الثاني، والثاني وخبره خبرُ الأول؛ قاله ابنُ عطيةَ، وقال: وهذا الإعرابُ خير- في تناسق المعنى- من أن يكون {الشيطان} خبر {ذلكم} لأنه يجيء في المعنى استعارة بعيدة.
ورَدَّ عليه أبو حيّان هذا الإعراب- إن كان الضمير في {أولياءه} عائدًا على {الشيطان} لخُلُوِّ الجملة الواقعة خبرًا عن رابط يربطها بالمبتدأ- وليست نفس المبتدأ في المعنى، نحو: هِجِّيرى أبِي بكر لا إله إلا الله وإن كان عائدًا على {ذلكم}- ويراد بـ {ذلكم} غير الشيطان جاز، وصار نظير: إنما هند زيد يضرب غلامها، والمعنى: إنما ذلكم الركب، أو أبو سفيان الشيطان يخوفكم أنتم أولياؤه، أي: أولياء الركب، أو أولياء أبي سفيان- والمشار إليه بـ {ذلكم} هل هو عين أو معنى؟ فيه احتمالان:
أحدهما: أنه إشارةٌ إلى ناسٍ مخصوصين- كَنُعَيْم وأبيب سفيانَ وأشياعهما- على ما تقدم.
الثاني: إشارة إلى جميع ما جرى من أخبارِ الركبِ وإرسال أبي سفيان وجزع من جزع- وعلى هذا التقدير فلابد من حذف مضافٍ، أي: فعل الشيطان، وقدَّره الزمخشري: قول الشيطانِ، أي: قوله السابق، وهو: {إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم} [آل عمران: 173] وعلى كلا التقديرين- أعني كون الإشارة لأعيان أو معان- فالإخبار بـ {الشيطان} عن {ذلكم} مجاز؛ لأن الأعيان المذكورين والمعاني من الأقوال والأفعال الصادرة من الكفار- ليست نفس الشيطان، وإنما لما كانت بسببه ووسوسته جَازَ ذلك.
قوله: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} قد تقدم ما محله من الإعراب. والتضعيفُ فيه للتعدية، فإنه قَبْلَ التَّضْعيف متعدٍّ إلى واحدٍ، وبالتضعيف يكتسب ثانيًا، وهو من باب أعطى، فيجوز حذف مفعوليه، أو أحدهما اقتصارًا واختصارًا، وهو في الآية الكريمة يحتمل أوجُهًا:
أحدها: أن يكون المفعولُ الأولُ محذوفًا، تقديره: يخوفكم أولياءه، ويقوِّي هذا التقديرَ قراءة ابن عبَّاسٍ وابن مسعود هذه الآية كذلك، والمراد بـ {أولياءه}- هنا- الكفارُ، ولابد من حذف مضافٍ، أي: شر أوليائه؛ لأن الذوات لا يخاف منها.
الثاني: أن يكون المفعول الثاني هو المحذوف، و{أولياءه} هو الأول، والتقدير: يخوف أولياءه شَرَّ الكفار، ويكون المراد بـ {أولياءه}- على هذا الوجه- المنافقين ومَنْ في قلبه مرضٌ ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج.
والمعنى: أن تخويفه بالكفار إنما يحصل للمنافقين الذين هم أولياؤه، وأما أنتم فلا يصل إليكم تخويفه قاله الحسنُ والسُّدِّي.
الثالث: أن المفعولين محذوفان، و{أولياءه} نعتٌ- على إسقاط حرف الجر- والتقدير: يخوفكم الشر بأوليائه. والباء للسبب، أي: بسبب أوليائه فيكونون هم كآلةِ التخويف لكم.
قالوا: ومثل حذف المفعول الثاني قوله تعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم} [القصص: 7] أي: فإذا خِفْتِ عليه فرعونَ. ومثال حذف الجارّ قوله تعالى: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ} [الكهف: 2] معناه لينذركم ببأسٍ، وقوله: {لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} [غافر: 15]. وهذا قول الفرّاء والزّجّاج وأبي عليّ، قالوا: ويدل عليه قراءة أبَيٍّ والنَّخَعِيِّ: يخوفكم بأوليائه.
قال شهابُ الدّينِ: فكأن هذا القائل رأى قراءة أبَيّ والنخعيّ {يخوف بأوليائه} فظن أنَّ قراءة الجمهورِ مثلها في الأصل، ثم حُذِفتَ الباء، وليس كذلك، بل تُخَرَّج قراءةُ الجمهورِ على ما تقدم؛ إذ لا حاجةَ إلى ادِّعاء ما لا ضرورة له.
وأما قراءة أبَيّ فيحتمل أن تكون الباء زائدة، كقوله: [البسيط]
سُودُ الْمَحَاجِرِ لا يَقْرَانَ بِالسُّوَرِ

فتكون كقراءة الجمهور في المعنى.
ويحتمل أن تكون للسبب، والمفعولان محذوفان- كما تقدم.
قوله: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ} في الضمير المنصوب ثلاثةُ أوجهٍ:
الأول- وهو الأظهر-: أنه يعود على {أولياءه} أي: فلا تخافوا أولياءَ الشيطان، هذا إن أريد بالأولياء كفار قريش.
الثاني: أنه يعود على {الناس} من قوله: {إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [آل عمران: 173] إن كان المراد بـ {أولياءه} المنافقين.
الثالث: أنه يعود على {الشيطان} قال أبو البقاء: إنما جمع الضمير؛ لأن الشيطان جنس والياء في قوله: {وخافوني} من الزوائد، فإثبتها أبو عمرو وصلًا، وحَذَفَها وقفًا- على قاعدته- والباقون يحذفونها مطلقًا.
وقوله: {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} جوابه محذوف، أو متقدم- عند مَنْ يرى ذلك- وهذا من باب الإلهاب والتهييج. إلا فهم ملتبسون بالإيمان. اهـ. بتصرف.
ورود الخوف في القرآن الكريم:
قال ابن عادل:
ورد الخوف على ثلاثةِ أوجهٍ:
الأول: الخوفُ بعينه، كهذه الآية.
الثاني: الخوف: القتال، قال تعالى: {فَإِذَا ذَهَبَ الخوف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19] أي: إذا ذهب القتال.
الثالث: الخوف: العِلْم، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} [البقرة: 229] وقوله: {وَأَنذِرْ بِهِ الذين يَخَافُونَ أَن يحشروا إلى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 51]. أي: يعلمون وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] أي: علمتم. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزآبادي:

بصيرة في الخوف:
وهو توقُّع مكروه عن أَمارة مظنونة أَو معلومة، كما أَن الرجاءَ والطمع توقع محبوب عن أَمارة مظنونة أَو معلومة، ويضادّ الخوف الأَمن.
ويستعمل ذلك في الأُمور الأَخروية والدّنيويّة.
وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} قد فسّر بعرفتم.
وحقيقته: وإِن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم.
والخوف من الله لا يراد به ما يخطِر بالبال من الرّعب كاستشعار الخوف، بل إِنَّما يراد به الكفّ عن المعاصى وتحرّى الطَّاعات.
ولذلك قيل: لا يعدُّ خائفًا من لم يكن للذُّنوب تاركًا.
والخوف أَجلّ منازل السّالكين وأَنفعها للقلب.
وهو فرض على كلِّ أَحد.
قال تعالى: {وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} وقال: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} ومدح الله تعالى أَهله في كتابه وأَثنى عليهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَائِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} في مسند الإِمام أَحمد وجامع التِّرمذى «عن عائشة رضى الله عنها قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: {الذين يؤتون ما آتَوْا وقلوبهم وجلة} أَهو الذي يسرق ويشرب الخمر ويزنى؟ قال: لا يا ابنة الصّديق: ولكنَّه الرّجل يصوم ويصلِّى ويتصدّق ويخاف أن لا يقبل منه» وقال الحسن: عملوا والله الصَّالحات واجتهدوا فيها، وخافوا أَن تُردّ عليهم.
وقال الجنيد: الخوف توقع العقوبة على مجرى الأَنفاس.
وقيل: الخوف: اضطراب القلب وحركته من تذكُّر المَخُوف.
وقيل الخوف: هرب القلب من حلول المكروه وعند استشعاره.
وقيل: الخوف العلم بمجارى الأَحكام.
وهذا سبب الخوف لا نفسه.
وقال أَبو حفص: الخوف سوط الله يقوِّم به الشاردين عن بابه.
وقال: الخوف سراج في القلب يبصر به ما فيه من الخير والشرّ.
وكلّ واحد إِذا خِفْته هربت منه إِلاَّ الله فإِنَّك إِذا خفته هربت إِليه.
وقال إِبراهيم بن سفيان: إِذا سكن الخوفُ القلب أَحرق مواضع الشَّهوات منه وطرد الدّنيا عنه.
وقال ذو النُّون: الناس على الطَّريق ما لم يَزلْ عنهم الخوف، فإِذا زال عنهم الخوف ضَلُّوا عن الطَّريق.
والخوف ليس مقصودًا لذاته بل مقصود لغيره.
والخوف المحمود الصَّادق: ما حال بين صاحبه ومحارم الله، فإِذا تجاوز ذلك خيف منه اليأْس والقنوط.
وقال أَبو عثمان: صِدْق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرًا وباطنًا.